بين شبكات التجسس المكتشفة والمناورات العسكرية: لبنان في مواجهة الخطر الإسرائيلي المباشر

بين شبكات التجسس المكتشفة والمناورات العسكرية:
لبنان في مواجهة الخطر الإسرائيلي المباشر

رغم انشغال اللبنانيين بملف الانتخابات النيابية المقبلة وتفاعلات اطلاق الضباط الأربعة من السجن، برز إلى واجهة الأحداث تطوران هامان سيكون لهما انعكاسات مباشرة على الأوضاع اللبنانية. الأول اكتشاف سلسلة من شبكات التجسس الاسرائيلية في مختلف المناطق اللبنانية، والثاني إعلان الجيش الاسرائيلي إجراءه أضخم مناورات عسكرية في أواخر شهر أيار الجاري في اطار التحضير لأية مواجهة مع حزب الله ولبنان.

وقد حاول الاسرائيليون التغطية على هذه الأحداث الخطيرة بإعلان امكانية الانسحاب من الجزء اللبناني المحتل من قرية الغجر، لكن ذلك لن يقلل من خطورة شبكات التجسس المكتشفة والمخاطر المستقبلية على الوضع اللبناني وامكانية تحضير الاسرائيليين لعمل عسكري أو أمني كبير ضد لبنان.

وخطورة شبكات التجسس المكتشفة تجلت بالعدد الكبير من العملاء الذين تم القاء القبض عليهم وقدرة هؤلاء العملاء على اختراق المناطق اللبنانية، وبالأخص المناطق التي يتركز فيها حزب الله بقوة (الضاحية الجنوبية)، اضافة الى كون بعض هؤلاء العملاء من موظفي الأجهزة الأمنية او المقربين من مسؤولي المقاومة، مما يسهل حركتهم وحصولهم على المعلومات الخطيرة، اضافة الى امتلاكهم لأجهزة عالية التقنية تصلهم بالموساد الاسرائيلي.

اما على صعيد المناورات العسكرية التي سيجريها الجيش الاسرائيلي في آخر شهر أيار، فستكون الأضخم منذ حرب تموز 2006وهي تكشف حجم التحضيرات التي يقوم بها هذا الجيش استعداداً لأية مواجهة قد تحصل مع حزب الله أو تحضيراً لشن عدوان واسع على لبنان.

فما هي قصة شبكات التجسس الاسرائيلية المكتشفة حديثاً؟ وما علاقتها بحجم المناورات العسكرية التي سيجريها الجيش الاسرائيلي؟

شبكات التجسس

خلال أقل من شهرين نجحت القوى الأمنية اللبنانية (فرع المعلومات، مخابرات الجيش) بالتعاون احياناً مع قوى المقاومة في اكتشاف عدد من شبكات العملاء الذين يعملون لصالح الموساد الاسرائيلي. فبعد اعتقال مروان فقيه قبل ثلاثة أشهر في منطقة النبطية الذي تبين أن له دوراً خطيراً مع الموساد، تمّ اكتشاف الشبكات التالية:

1- شبكة الضابط في الأمن العام أديب العلم وزوجته حياة الصالومي وابن عمه الموظف في الأمن العام جوزيف العلم.

2- شبكة علي منتش وروبير كفوري ومحمد عوض في منطقة النبطية. وعلي منتش من الناشطين دينياً في المنطقة وكان يشرف على الحملات الى الأماكن المقدسة ويتردد على بعض علماء الدين.

3- العميل مصطفى عواضة وهو تاجر سيارات وله حضور اجتماعي فاعل في منطقة النبطية.

4- الموظف في قوى الأمن هـ. السحمراني وزوجته، وكانا ينشطان في منطقة برج البراجنة.

5- مجموعة أفراد من بلدة حبوش.

6- مجموعة في بلدة السلطانية ضمت الأخوين حسن وجعفر محمد علي خليل ياسين مع شخص ثالث.

7- شخص من بلدة دير انطار.

وتشير المصادر المتابعة لملف شبكات التجسس إلى أن معظم هؤلاء كانوا يتحركون في المناطق التي يقيمون فيها لرصد مراكز المقاومة وقادتها واماكن اقامتهم، وقد قدَّموا معلومات خطيرة للعدو سواء قبل حرب تموز أو بعدها، وبعضهم لديه علاقات جيدة مع علماء دين أو مع فعاليات المناطق التي يقيمون فيها ومع بعض كوادر المقاومة ولدى بعضهم مؤسسات تجارية ومعارض للسيارات ويتميز بمستوى مالي جيد.

واللافت أن بعض هؤلاء العملاء كانوا يعملون أو لا يزالون ضمن الأجهزة الأمنية اللبنانية، ما يساعدهم في التحرك والانتقال والحصول على المعلومات القيمة.

وبعد اكتشاف هذه الشبكات واقتحام منازل أعضائها، تبين انهم يستعينون بأجهزة اتصال عالية التقنية وأنهم مدربون بشكل مميز لمواجهة المحققين او للحصول على المعلومات، وكانوا يتنقلون بين لبنان والخارج للقاء ضباط الموساد أو لاستلام الأموال والأجهزة الفنية.

هذه الشبكات تضاف الى المجموعات التي سبق اكتشافها والتي تولت تنفيد عمليات اغتيال وتفجير لمسؤولي المقاومة كما حصل مع الأخوين مجذوب في صيدا وجهاد جبريل ومسؤولي المقاومة، اضافة الى عملية الاغتيال الكبرى للحاج عماد مغنية في دمشق، مما يدل على خطورة الاختراق الاسرائيلي للبنان وسوريا.

وان نجاح الأجهزة الأمنية اللبنانية (فرع المعلومات ومخابرات الجيش) وبالتعاون مع المقاومة في اكتشاف هذه الشبكات يؤكد الدور الايجابي لهذه الأجهزة بعدما سادت في فترة من الزمن بعض اجواء من انعدام الثقة بينها وبين المقاومة وقادتها.

المناورات العسكرية

وبموازاة اكتشاف شبكات التجسس التابعة للموساد، يستعد الجيش الاسرائيلي لتنفيذ اضخم مناورة عسكرية في أواخر شهر أيار الحالي، ولقد كشف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد خلال جلسة الحوار الأخيرة عن بعض تفاصيل هذه المناورة ومخاطرها على لبنان.

ويؤكد المسؤولون في المقاومة الإسلامية أن قيادة الجيش الاسرائيلي عمدت بعد انتهاء حرب تموز إلى اعادة هيكلة ألويته العسكرية، وأعدت خططاً جديدة لتأهيل الجيش لجعله قادراً على مواجهة المقاومة، وأنه بعد حرب غزة الأخيرة تمت عملية تقييم جديدة لأداء الجيش واكتشاف الثغرات الميدانية. لذلك تأتي هذه المناورات لتأكيد جهوزية الجيش الاسرائيلي لمواجهة حزب الله وقوى المقاومة، في ظل استمرار تأكيد مسؤولي الحزب أن الرد على اغتيال الحاج عماد مغنية قادم لا محالة، ما قد يدفع الصهاينة لتنفيذ عدوان جديد على لبنان.

إذاً، إن الخطر الاسرائيلي على لبنان أمر واقع وحقيقي، والاسرائيليون لن يجلسوا متفرجين على ما يجري في لبنان، وخصوصاً في ظل تنامي دور المقاومة وقدرتها على اعادة ترتيب خطوط الدفاع في مختلف المناطق اللبنانية. والصهاينة يعملون على خطين:

الأول يتعلق بالجانب الأمني عبر الحصول على اكبر قدر من المعلومات والمعطيات لتوجيه الضربات المباشرة للمقاومة.

والثاني يتعلق بالجانب العسكري من خلال اعادة تأهيل الجيش وجعله قادراً على مواجهة حرب عصابات وتلافي الثغرات والأخطاء التي حصلت خلال حربي لبنان وغزة.

وكل ذلك يفرض على اللبنانيين اعطاء الاهتمام للخطر الاسرائيلي وعدم الانشغال عنه بالانتخابات النيابية وبتفاعل قضية اطلاق الضباط، لأنه لا سمح الله اذا حصلت مواجهة جديدة مع الجيش الاسرائيلي فإنها ستطال اللبنانيين جميعاً دون تفرقة بين 8 و14 آذار، ما يتطلب تخفيف السجالات السياسية والعمل لتعزيز الوحدة الوطنية والابتعاد عن المشاحنات التي لا طائل منها.